أحدهم قتل أمه لكي يتزوج امرأة أجنبية ، ففعل كل ما يستطيع
حتى يحصل على مال من أمه لكي يتزوج هذه المرأة ولكن أمه رفضت,
وفي خلال مناقشته مع أمه(وهو أصلا كان شارد وبعيد عن الطريق إلى الله)
ولما الموضوع كبر ونزغ الشيطان دخل ، في لحظة قتل أمه,
وذكرت هذه الواقعة في الجرائد وكانت العناوين
(جريمة فظيعة تهز الإسكندرية...وقعت الجريمة في دائرة قسم محرم بك).
ويشاء القدر أن يسجن هذا الولد في السجن في وجود أحد الصالحين فيه ،
فيقول هذا الرجل الصالح: أنه عندما دخل الولد رأيته وقد قيل لي أن هذا هو الولد
الذي قتل أمه وكُتِبَ عنه في الجرائد،
في إحدى المرات كان يسير،فلما رأى علىَّ سمت الصالحين،
جري عليَّ وقال: بالله عليك يا شيخ...هل من الممكن أن يغفر الله لي فقد قتلت أمي؟
قلت له: يا بني ،إن كان ذنبك عظيما فعفو الله أعظم
الله جل في علاه القائل ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53 )
فوجدت وجهه أضاء وقال لي : يعني يا شيخ ممكن ربنا يغفر لي هذا الذنب الثقيل ...
يا شيخ لقد فعلت ذنب عظيم..لقد قتلت أمي..فالذنب هنا قتل وعقوق...كيف سأقابل ربي ،
قلت له: أكثر من الاستغفار والدعاء وادعي لوالدتك كثيرا عسى
أن يكون هذا سبب في عفو الله عز وجل عنك فهي كمان لا تقتص منك يوم القيامة
ويقول الشيخ: بعد ذلك افترقنا وبعدها بمدة شاء المولى عز وجل
أن نلقي مرة أخرى ونصبح في مكان واحد ،فأول ما رآني قال لي: أتذكرني؟
قلت له: نعم أذكرك,أنت فلان.
فقال لي: أخبرني عن شيء عملي أفعله أتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى...
فوجدته-ما شاء الله- مواظب على قراءة القرءان ولا يفوت أوراد الأذكار,
وكان يختم القرءان كل أسبوع وما كان أحد يقول له على كلمة خير أو سنة
أو أي فضل من فضائل الأعمال إلا ونفذها في الحال.
فقال لي: قل لي على أمر أفعله لأمي أكثر من الدعاء.
ففي إحدى المرات سمع انه من يختم القرءان حفظا يلبس والداه التاج
ويحلى بحلة الكرامة ويشفع في عشرة من أهله فيكرمان على رؤوس الأشهاد...
فمن يختم القرءان حفظا تكن هذه جائزته..فهذا كرم ما بعده كرم.
فقال الولد: هذا هو ما أبحث عنه وهذا الذي أستطيع فعله لأمي.
فأتي بجانبي وقال: هل من الممكن أن اختم القرءان حتى فترة تنفيذ حكم الإعدام
والله أعلم بمقدار المدة، قلت له:هيا استعن بالله وابدأ.
فيقول الشيخ: كان الولد ما شاء الله لا قوة إلا بالله همة ما بعدها همة
فقد كان يوميا يحفظ ربع أو ربعين من القرءان حتى ختم القرءان ،
كان يصلي به في الليل لدرجة انه كان يختم ما بين أربع أو خمس أيام في صلاة الليل
يعني يصلي كل يوم بما يوازي ستة أجزاء في الليل من حفظه ،
وقد كان على اجتهاد عجيب في فعل الطاعات ولا يترك شيء منها يستطيع فعله إلا قام به.
وأتى إليَّ بعدها وقال لي: هل تظن أن بعد كل هذا يكون الله قد غفر لي
(بعد كل ما فعله من خيرات مازال قلبه يتقطع على الذنب...
انظروا إلى ما يقوم به وقلبه مازال بداخله الندم على الذنب )
فقلت له: الله عز وجل رحمته أوسع مما تتصور...
تعرف أن الشيطان يوم القيامة يرفع رأسه ويتطاول بعنقه رجاء أن تصيبه الرحمة ..
الشيطان من كثرة ما يرى من ذنوب ثقيلة وكبيرة وقع الناس فيها
ولكن الله عز وجل رب غفور يغفر ويرحم ويتوب على عباده...فيرفع رأسه رجاء أن تصيبه هو أيضا الرحمة
.
فيقول الشيخ: عندما قلت له هذا الكلام وجدت وجهه بدأ ينير وابتسم
وقال: ياااااااه.. يا رحمة ربنا...يااااه لعظمة ربنا.
سبحان الله بدأ هذا الولد يزيد في أوراده وطاعاته وبدأ يتعلم ويمسك كتب,
وبعدها بفترة بدأ يشعر أن الأجل اقترب....،فأتي إلي
وقال لي: أنا أشعر أني قد أوشكت على الخروج من سجن الدنيا ..
سأقابل حبيبي فأنا مشتاق له(كفى بالموت تحفة للمؤمن) ،
فإنا أشعر أني سأقابله قريبا فأوصيني بوصية أفعلها حتى لحظة الملاقاة لرب العالمين.
قلت له : أكثر من قول لا إله إلا الله ،
فقال لي: ما رأيك لو جعلتها(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).
فقلت له: ما شاء الله لقد اخترت أفضل مني، لقد اخترت دعاء فيه تهليل وتسبيح واعتراف بالذنب ،
فيقول الشيخ: فأصبح هذا الذكر على لسانه دوما وكل ما تمر عليه تجده
يقول:لا اله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين،حتى جاءت اللحظة،
قبلها أُحضِرَ إليه طعام وبعض الزاد فتصدق به كله،وقلت له: ما أبقيت لنفسك؟،
فيقول: لقد أبقيت كل شيء لنفسي ، فنصحه الشيخ بأن يكثر من الدعاء والذكر،وجاءت اللحظة.
واستيقظ لصلاة الفجر واستيقظ كل من كان في السجن ساعتها ،
وعندما فرغ من الصلاة،أمسك القرءان وأخذ يرتل آيات من القرءان
وأول ما شعر بأنهم أتوا ليأخذوه لتنفيذ الحكم،
أصبحت الكلمة على لسانه: لا إله إلا الله ..إنا لله وإنا إليه راجعون.
خرج وسلم على كل من كان معه في السجن وأوصى كل منهم ألا يفتر لسانه
من ذكر الله..لا إله إلا الله , وودعه الجميع وهو مازال يردد:
لا إله إلا الله عليها نحي وعليها نموت..لا اله إلا الله
ويقول الشيخ: ووقفت أمامه واحتضنته وأوصيته وأنا ابكي
فقلت له: لا تنسى من كان آخر كلامه لا اله إلا الله ، فوجدته ثابت-ما شاء الله عليه.
وعندما أخذوه لغرفة الإعدام تركوه قليلا فأمسك بالمصحف وظل يقرأ فيه بمنتهى الثبات ،
وقدم له الضابط بعض الطعام فرفض وقال له:إني صائم
(أصل هو كان صام كفارة القتل شهرين متتابعين وبعدها عاهد الله عز وجل أن يصوم صيام داوود ،
فكان يصوم يوم ويفطر يوم،فشاء الله عز وجل أن اليوم الذي يُعدم فيه هو اليوم الذي كان يصومه
،"ومن ختم له بصيام دخل الجنة ")
وقيدوه ووضع الحبل في رقبته وتلفظ بالشهادتين وحسنت خاتمته،
كان قاتل.. فصار من أولياء الله الصالحين-نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا-
إن ربك واسع المغفرة
فهل يمكن أنا نكون - نحن - بذنوبنا ومعاصينا وأخطائنا من الصالحين ....؟؟!!؟؟؟